التعلم من خلال الرائحة في التعليم الموجه للطفل

منصة زدني التعليمية
التعلم من خلال الرائحة في التعليم الموجه للطفل

هل الرائحة شكل من أشكال التواصل اللغوي؟

بقلم الدكتورة فاطمة البريكي

هل اللغة عبارة عن حروف وكلمات فقط؟

هل يمكن أن نتواصل خارج اللغة؟

هناك الكثير من الطرق التي نتواصل بها بشكل يومي لا تتضمن حرفًا ولا كلمة، لا منطوقة ولا مكتوبة، ومع ذلك فإننا  نتواصل بنجاح.

تصلنا الكثير من الرسائل والمعلومات من خلال صورة، أو صوت (لا يتضمن كلمات)، أو حركة يد أو ملامح وجه، وغير ذلك.

وبناء على ذلك، يحتاج الطفل إلى أن يتعلم اللغة النصية بما فيها من حروف وكلمات، وإلى اللغة غير النصية أيضًا، ومن هنا تأتي أهمية أن نُعلّم الطفل فهم الحواس الخمس على سبيل المثال، والتعامل معها بطرق مختلفة، إذ لا يكفي أن نخبره بأن لدينا خمس حواسّ، وأننا نرى بأعيننا، ونشم بأنفنا، ونتذوق بلساننا، وهكذا، فمعظم هذه المعلومات -التي لا أنكر أهميتها- يمكن أن يتعلمها بسهولة، أو أن يعرفها بالممارسة.

لكن من المهم في رأيي أيضًا أن نساعد على تطوير الحواس عند الطفل  وأن ندربه على التعامل معها ومع كل ما يرتبط بها على أنها رموز أو شفرات عليه أن يُحسِن قراءتها. إنها لغة ولكن بطريقة مختلفة، دون حروف وكلمات، ولعلنا نذكر قصيدة لوريس مالاغوزي حين عبّر -مجازيًا- عن اختلاف الأطفال في طرق تعبيرهم عن أنفسهم وأفكارهم بما سماه (اللغات المائة للأطفال)، إذ لا توجد طريقة واحدة ثابتة للتعبير دائمًا، ويمكن أن يكون استخدام الحواس شكلًا من أشكاله أيضًا.

وسأتوقف في هذه المقالة عند التعلم من خلال الرائحة في التعليم الموجه للطفل، أي عند حاسة الشم تحديدًا من بين الحواس الخمسة المعروفة، حيث يبدأ من لحظاته الأولى بعد الولادة؛ فهو يدرك رائحة أمه، بل ويتخذ الرائحة رمزًا لمعرفة وجودها وغيابها، وإذا بكى فإن وجوده في حضن أمه يمكن أن يهدئه مباشرة، اعتمادًا على عوامل مختلفة من بينها الرائحة دون شك..وأحيانًا حين تغيب الأم تترك شالها أو قطعة من ملابسها في البيت لاستخدامها في تهدئة طفلها الرضيع في غيابها. ونظرًا للتأثيير القوي للرائحة على الطفل، يمكن أن نستثمرها في عملية تربيته وتعليمه.

ولتطبيق الفكرة عمليًا، لنفكر في إجابة السؤالين التاليين:

  • هل يكفي أن نقول للطفل إن للزهرة رائحة جميلة، وأننا نستخدم أنفنا لشمّ رائحة الزهرة؟
  • أو الأفضل أن نحضر له الزهرة، ونطلب منه أن يشمها فعلًا، حتى يكون التعليم تفاعليًا وعمليًا وتطبيقيًا وليس نظريًا؟

ولو نقلنا الفكرة لمستوى أعلى قليلًا يمكن أن نربط الرائحة بالزمان، أو المكان، أو ببعض الأشخاص، مثلًا:

  • الزمان: الأشياء القديمة من ملابس وغيرها لها رائحة مختلفة عن الجديدة، وهذا ينطبق على الطعام الطازج الذي له رائحة طيبة، والطعام القديم أو المتعفن الذي له رائحة مقززة، مما يهدد الصحة..
  • المكان: رائحة البيت تختلف عن رائحة البحر، وهي تختلف عن رائحة المكان الممطر..
  • الأشخاص: كثيرًا ما تذكرنا الروائح بأشخاص معينين لسبب أو لآخر..
  • كما يمكن أن ترمز بعض الروائح للذكريات، فنحن أحيانًا نسترجع ذكريات محددة عندما نشم روائح معينة.. قد نتذكر بيت جدتنا من رائحة القهوة، أو غير ذلك..
  • كما ترمز للنظافة، وأن الجسم له روائح مختلفة، بحسب درجة نظافته، لذلك علينا أن نحرص دائمًا على أن تكون رائحة أجسامنا طيبة، فهذا يؤثر على الصحة، والثقة بالذات، والمظهر الاجتماعي أيضًا.
  • وكثيرًا ما ترمز لخطر ما، من المفيد تعليم الروائح للأطفال والتعرف على الروائح، فيعرف الطفل رائحة الكهرباء، ورائحة الحريق، وأن علينا أن نحذر من مثل هذه الروائح فهي تُنذر بالخطر، وتُهدد الأمن والسلامة.

ألا يمكن بعد كل ما عرضناه هنا أن نعلم الأطفال أن يعبروا من خلال الروائح؟ وأن يستخدموا الروائح للتعبير عن حالتهم النفسية؟ عن موافقتهم أو رفضهم في المواقف المختلفة؟ وعن رغباتهم واحتياجاتهم في أي وقت، دون أي كلمة، فقط باستخدام الرائحة؟ 

في الختام،

تجدر الإشارة إلى أن الروائح ليست لغة للأطفال فقط، بل هي معروفة في التراث العالمي وقد يختلف التعبير الثقافي عن الروائح باختلاف الزمان والمكان، ويمكن استحضار بعض العادات العثمانية في استخدام الروائح للتواصل والتفاهم، ولإيصال الرسائل بالروائح بدلًا من الكلمات، مثل استخدام رائحة الزنبق والقرنفل في سياقات الخطبة والزواج، فإن زار الرجل البيت وهو يحمل الزنبق فهذا يعني أنه يرغب في التقدم للابنة، فإن قدموا له العصير برائحة القرنفل فهذا يعني أنهم مرحبون به، أما إن قدموه دون نكهة فهذا يعني عدم وجود بنات للزواج، فيشربه ويغادر. هذا ما ذكرته خبيرة الذوقيات العثمانية لا يحضرني اسمها حاليًا، لكن أذكر أنها ختمت حديثها بعبارة “لقد أعطوا الروائح قوة كالكلمات“.

 

 

اترك تعليقاً